كتبه د. جو مادوكس، كبير علماء النفس
قد يكون الوباء العالمي آخذ في الانحسار في العديد من البلدان، ولكن من المحتمل أن تستمر الآثار اللاحقة معنا لبعض الوقت في المستقبل. لأكثر من عام، أصبح تهديد كوفيد – 19 وقيوده يمثل ضغوطًا كبيرة ودائمة في حياة العديد من الأشخاص. لقد اعتدنا على تحمل التحديات التي يأتي يها هذا الوباء، ولكن الطبيعة المطولة لمثل هذه المحن قد يكون لها أثرها – ليس أقله على أولئك الذين يعملون في المهن المساعدة مثل مقدمي الرعاية، والطاقم الطبي، والمعلمين. أظهر استطلاع حديث أجرته الجمعية الطبية البريطانية (BMA) أن 32٪ من الأطباء (ضعف ما كان عليه قبل 12 شهرًا) يفكرون في التقاعد المبكر بسبب الإرهاق.
ما هو الإرهاق؟
تعرّف منظمة الصحة العالمية (WHO) الإرهاق بأنه متلازمة ناتجة عن الإجهاد المزمن في مكان العمل. في مدونتي السابقة عن المرونة، وصفت الأثر التراكمي “نقطة بنقطة” للإجهاد، وكيف أن الضغوطات الأقل ظهورًا ولكنها أكثر ديمومة يمكن أن تكون أكثر تدميرًا بمرور الوقت. فالإجهاد يؤثر بشكل مباشر على أدائنا. قدر ضئيل من الإجهاد قد يجعلنا أكثر يقظة وإنتاجية، ولكن أجسامنا لا تتكيف بشكل جيد مع الارتفاعات المتكررة في الأدرينالين. وسنشعر بالإرهاق العاطفي والجسدي في القريب العاجل ويضعف أدائنا الإدراكي. كما هو موضح في الرسم البياني أدناه، قد يستغرق الأمر عدة ساعات للتخلص من هرمونات الإجهاد في الجسم. إذا كنا نعاني من ضغوطات صغيرة منتظمة خلال النهار على مدار عدة أسابيع أو أشهر، فمن غير المرجح أن نتعافى بشكل كافٍ وقد يكون الأداء ضعيفًا بشكل دائم.
فهم ردود أفعالنا العاطفية للإجهاد
يظهر الإجهاد في أجسامنا على هيئة شعور، لذا فإن الانتباه لمشاعرنا هو أحد أكثر الطرق فعالية لإدارة الإجهاد ومنع الإنهاك والإرهاق. في المدونات السابقة في هذه السلسلة، وصفت أربع مراحل من المرونة (النجاة، والتكيف، والتعافي، والازدهار) باستخدام دورة ازدهار من PSI. عادة ما تكون كل مرحلة من هذه المراحل مصحوبة بالمشاعر كما هو موضح في عجلة المشاعر أدناه.
يمكن تقسيم المشاعر إلى بُعدين أساسيين: شدة مشاعرنا (عالية أو منخفضة) وتكافؤ مشاعرنا (إيجابية أو سلبية). هذه تنتج أربع مناطق عاطفية (الإجهاد، الإرهاق، التجديد، والنشاط) والتي تتوافق مع المراحل الأربع للمرونة (النجاة، والتكيف، والتعافي، والازدهار). كما هو الحال مع دورة ازدهار المرونة، ستتطور عواطفنا غالبًا في اتجاه دوري. على سبيل المثال، في ظل الشدائد، قد نشعر بمشاعر سلبية شديدة (الإجهاد) حيث نشعر بالإرهاق والقلق. سيؤدي الإجهاد المطول إلى الشعور بالتعب وربما الشعور بالإعياء (الإرهاق). المخرج من هذا النمط المدمر هو ممارسة الهدوء والاسترخاء (التجديد)، مما يساعدنا على إعادة الانخراط (التنشيط).
فكر في الأسئلة التالية:
- كم تقضي من الوقت في كل منطقة من المناطق العاطفية الأربعة؟
- كيف أداؤك في كل منطقة؟
- ما الذي يدفعك إلى منطقة الإجهاد؟
- ما الذي يمكنك فعله لقضاء المزيد من الوقت في منطقة التجديد؟
خطوات عملية يجب اتخاذها اليوم
هناك العديد من الأشياء التي يمكننا القيام بها لتجنب الوقوع في الإرهاق.
- استخدم عجلة المشاعر لمراقبة مشاعرك: يمكن أن يساعدنا إدراك الاختلاف في مشاعرنا على إدارتها بشكل أكثر فعالية. قد تشعر في أوقات معينة من اليوم بأنك أكثر نشاطًا وتشعر بالتعب في أوقات أخرى من اليوم. خطط لأعباء العمل وفترات الراحة بما يتناسب مع أنماطك العاطفية.
- اقضِ بعض الوقت في منطقة التجديد كل يوم: فالانتظار حتى عطلة نهاية الأسبوع أو الأعياد أو “وقت الإجازات” غير كافٍ. كلما تمكنت من التحقق من مشاعرك وقضاء بعض الوقت في منطقة التجديد، زادت فعالية أدائك وتأقلمك مع التحديات اليومية. كما سيساعدك على الانخراط في نوم التعافي، وهو أمر ضروري لممارسة أنشطة الأيام التالية.
- تعرف على كيفية ممارسة «التجديد»: قد يتضمن ذلك إجراءات صغيرة مثل الدردشة مع صديق أو ممارسة الرياضة أو الراحة. إن تعلم كيفية التجديد هو أيضًا مهارة يمكننا تطويرها باستخدام تقنيات مثل تمارين التنفس وممارسة التأمل الواعي والتفكير الإيجابي.
- انظر إلى وقت ممارسة التجديد على أنه وقت إنتاجي: غالبًا ما يعتبر الناس “الإجازة” غير منتجة ومهدرة للوقت، مما قد يخلق في حد ذاته شعورًا بالتوتر وشعورًا بالذنب. ومع ذلك، يخبرنا علم الأعصاب أن الوقت المنقضي في ممارسة التجديد يساعد في تهدئة “الضوضاء” في دماغنا. مما يساعدنا على سماع الإشارات البديهية الأكثر هدوءًا التي تمنحنا البصيرة، وتساعدنا في حل المشكلات، وتحسّن الإبداع.
- تعلم التوازن الصحيح بين التنشيط والتجديد: قد تفضل أنواع الشخصيات المختلفة قضاء المزيد من الوقت في كل منطقة من هذه المناطق. فقد يفضل الشخص الانطوائي أن يكون في وضع التجديد وقد يرى أن قضاء الكثير من الوقت في التنشيط أمرًا مرهقًا. بينما قد يفضل الشخص الانبساطي العكس ويرى أن قضاء المزيد من الوقت في التنشيط يساعد في تقليل مشاعر الإجهاد.
- لاحظ العلامات المبكرة للإجهاد: من الآثار الجانبية المؤسفة للإجهاد أننا أصبحنا أقل وعيًا بمشاعرنا. سبب دخولنا في مرحلة الإرهاق هو أننا لم نلاحظ مشاعر الإجهاد ونتعامل معها عاجلاً. ولمواجهة ذلك، ابدأ بالتعرف على مشاعر الإجهاد مبكرًا وحدد ما يثير هذه المشاعر. على سبيل المثال: قد يكون أشخاص أو مواقف معينة أحد هذه المثيرات – وفي هذه الحالة، ابحث عن أشخاص أو مواقف تزيد من المشاعر الإيجابية.
- قلل الوقت في منطقة الإجهاد: ليست كل أنواع الإجهاد سيئة. في الواقع، قد يكون قضاء الوقت في منطقة الإجهاد مثمرًا جدًا ولكن بجرعات صغيرة كالاستجابة للمطالب العاجلة. المفتاح هو معرفة كيفية إعادة نفسك إلى منطقة التنشيط أو التجديد. من خلال أخذ قسط من الراحة أو طلب المساعدة من الآخرين والتحلي بالواقعية بشأن ما يمكن تحقيقه.
- اعلم أن كل المشاعر مفيدة: قد تبدو المشاعر السلبية مزعجة، لكنها أيضًا مفيدة وضرورية. فكر في جميع المشاعر كأصدقاء لك؛ إنها رسائل من أجسادنا تخبرنا بمعلومات حيوية لتوجيه انتباهنا. تمامًا كما يحدث عندما تقدم القوى العاملة ملاحظات إلى المديرين في مؤسسة ما، فقد يكون من الصعب سماع ذلك. لكن تكلفة عدم الاستماع إلى الموظفين ستكون كارثية على المدى الطويل، تمامًا مثل تجاهل المشاعر من قِبل أجسادنا. المفتاح هو تعلم ملاحظة مشاعرنا وما تخبرنا به. فمثلًا، في حالة الإرهاق، يخبرنا الجسم أننا بحاجة إلى الراحة، والإبطاء، والتوقف.
لا يمكنك أن تصب من كوب فارغ
التوجيه الرئيسي هنا هو أن تعترف بمشاعرك، وتتعرف على المنطقة التي تقع فيها، وتتخذ خطوات لتعالج الإجهاد المرتبط بها بشكل صحيح. الإرهاق هو تأثير حقيقي ملموس للإفراط في العمل على تفسك، وعليك أن تضع رفاهيتك العاطفية أولوية في المقام الأول إذا كنت ترغب في الحفاظ على إنتاجيتك لسنوات قادمة.